المشاركات

عنك مرة أخرى

 تأملتُ السماء هذه الليلة، لم تكن ليلة صافية، ولم يكن القمر بدرًا. لم تكن النجوم ساطعة، بالكاد استطعتُ تمييز بريقها الخافت.  لم يكن هناك أي شيء مميز حول سماء الليلة. إلا أن سماء كل ليلة -مهما كانت اعتيادية أو أخّاذة الجمال-، تعيدني إليك.  تعيدني إلى سنوات مضت، كان الزمن فيها أقل قسوة، وكنّا فيها أكثر جرأة وتمردًا على قسوته. تعيدني إلى أيام تجرأنا فيها على أن نحب بحرية ونحلم بجموح. تُراك تذكرني عندما تنظر إلى السماء؟ هل يتردد في ذهنك صوتي وأنا أقول: السماء جميلة هذه الليلة؛ القمر بدر، والنجوم ساطعة؟ هل تراك تذكر طلبي المتكرر: "قم وألقِ نظرة"؟ أم أنك لا تذكر؟  سواءٌ ذكرت أم لم تذكر، لن يشكل ذلك فرقًا يُذكَر. فأنا أذكر، وأبتسم للذكرى، وأقول: "الله يمسيك بالخير" وتتسع ابتسامتي، ثم أغلق شباكي وقد امتلأ صدري بالحنين والشجن، وأقوم لأشْغَلَ رأسي بأي شيء؛ لأن الدنيا قد استشرست، ولم يعد في مقدروي أن أنفرد بشجني، سوى لتلك اللحظات التي هي بيني وبين السماء، والتي أشارك فيها أسراريَ القمر والنجوم.  استشرست الدنيا، ولكن قلبي لا يزال غضًا، يبحث عن الجمال، يجده، ويدعو لك.

أبي الذي أكره - مراجعة

صورة
   بقدر خروج اسم الكتاب عن المألوف كان غنى محتواه. بداية من أشكال الاضطرابات والجروح التي تنشأ من ظروف النشأة غير السوية، مرورًا بكيفية تكوين وتجذر هذه الاضطرابات في النفس وتأثيرها على جوانب الحياة المختلفة، وحتى الوصول إلى التعاطف مع النفس ومع من تسببوا في ظروف هذه النشأة من أجل تحقيق خطة واقعية لتعافي النفس، ذكر الكتاب كل شيء، وكل جزء منه كان ملهمًا وواقعيًا لأبعد الحدود. الجمال والإتقان يكون عليه ردا فعلٍ فقط، فإما ألا تستطيع التوقف عن الحديث عنه، وإما أن يسلبك قدرتك على الوصف، وأنا الآن بين هذا وذاك. أستطيع القول دون مبالغة وبكل إنصاف، أن الكتاب من أفضل الكتب العربية (وقد يكون أفضلها) حول التعافي النفسي حتى الآن. استمتعت بالوقت الذي قضيته بين صفحاته، واستزدت علمًا قيمًا وأساسيًا في وقتنا الحالي، والأهم بالنسبة لي أني شعرت بتربيتَةٍ حنونة فخورة على ظهري؛ لما أكده لي الكتاب من نجاحي في رحلتي الشخصية الفردية في التعافي وأنني على المسار الصحيح، مهما تعثرت خطواتي ومهما مررت بلحظات انتكاس نحو الأنماط القديمة من التفكير والتصرفات. ليس لي أية مآخذ على الكاتب هذه المرة، بل أظن أن الكتاب سيك

أحببت وغدًا - مراجعة

صورة
 لا أحب قراءة الكتب المشهورة. شيء ما داخلي كان يخبرني أن لا شيء في الحياة يستحق كل هذا الالتفاف حوله، بالإضافة إلى بعض التجارب المريرة لقراءة بعض المؤلفات التي ذاع صيتها، لأجد في النهاية أنها لم تُضِف لي أي شيء، بل استنزفت طاقتي وصبري لأتكمن من إنهاء قراءتها؛ علني أجد بين ما تبقى من صفحات وأسطر ما يشفع لتجمهر القُرّاء حولها. لهذه الأسباب بالتحديد تأخرت كثيرا في اقتناء وقراءة هذا الكتاب وإخوته (لطالما شعرت أنهم إخوة: "أحببت وغدا" ثم "أبي الذي أكره" ثم "ممتلئ بالفراغ"). واليوم حديثنا حول كتاب/ أحببت وغدًا.  أستطيع أن أقول أنني وأخيرًا فهمت لمَ يشعر كل من قرأ الكتاب أنه هو الوغد ولا أحد غيره، وذلك لأن بعض طرائق الإيذاء التي يوضحها الكتاب قد يقترفها أيٌ منا بمنتهى البراءة، دون وعي أنها قد تؤذي الطرف الآخر، فقط لمجرد أننا تبرمجنا على التصرف بهذه الطريقة؛ بسبب الأسلوب الذي تمت تربيتنا به أو الطريقة التي تلقينا بها الحب في الصغر. وهنا المأخذ الأول على الكتاب: كان أجدر بالكاتب أن يذكر العلامات الفارقة بين الحالتين: أن تكون مؤذيًا بحق، أو تكون بريئًا ينقصه بعض الوع

تحبين بأمل

قال: "تحبين بأمل. هكذا أراكِ. تحبين بأمل جميل جدًا، يجعل الجميع يرغب في تصديق أن الحب حقيقة. ربما لم يصفك أحدٌ هكذا من قبل؛ فالناس حاولوا سلبَكِ الأمل، وأشعروكِ أنك ترتكبين إثمًا، ولكنك لم تلتفتي لهذا النقد الجارم؛ فالناس يرفضون ضعفهم، ولا يقولون سوى ما يعكس بواطنهم، ويتصرفون بقسوة فقط بسبب كبريائهم. الحب موجود في كل مكان حولنا، وفي الأيام التي يرحل عنا فيها، يبقى الأمل مُتقدًا بداخلنا حتى لو لم يدرِ عنه أحد. المحبون الآملون يعرفون الألم بشكل أعمق؛ لأنهم يحبون بطريقة لا يَسهُل شرحها. كيف أصيغها لك؟... تخيلي غروب شمسٍ صيفية على ضفاف بحيرة، تلك السكينة التي لا يمكن أن ينتزعها أحد." ضحكتُ في نفسي، وقلت: "لم يصغها أحد بهذه البراعة من قبل، تجعلني أتساءل إن كنت قد وقعت يومًا في الحب." أعادني إلى رشدي وقال: "المحبون الآملون لا يقعون في الحب، بل يسيرون فيه بخطىً واعية بكل ما قد يتكلفه الأمر" كيف عرف ذلك؟ سألته: "هل سِرْتَ قبلًا في الحب إذًا؟" قال: "اسأليني مرة أخرى غدًا؛ فاليوم أظن أنني أقع، وحبكِ شيءٌ لا أريد أن أستعيره وحسب." "يبدو أن لك

ما زلت

الآثار هي كل ما يتمكن مني البقايا لملمة الأشلاء كيف أني بعد سنتين ما زلت... خسرت نفسي دون أن أدرك، بعد محاولتي في التقدم لم أخصص وقتًا لأواجه الأشياء أبدًا استغرقت أشهرًا كي ألاحظ أن هذا ما ينقصني كيف تتجاوز شيئًا لم تتجاوزه حقًا؟ كيف تتخطى لحظةً لا تزال حيةً فيك؟ أقول لنفسي أن الأمر لا يزعجني أنني فقط أتذكر عندما أستلقي في سريري ليلًا أو أتمشى قليلًا أو أفكر كثيرًا أو أتنفس أنا فقط أتذكر عندما أبدأ في النسيان الفوضى التي ما أزال أكنسها ليست قصةً جيدةً بما فيه الكفاية لتروى لم تنتهي بعد سأستمر في التنظيف طالما أنا هنا أدرك ذلك فبعد سنتين ما زلت... ما زلت... ما زلت هنا. - دانيال شور

أسود وأبيض

 أحيانًا،  أود أن أضرب رأسي بحجر إلى أن أشعر بشيءٍ ما وأحيانًا أخرى، أود أن أدفنها في الثلج حتى لا أشعر بأي شيء على الإطلاق  أتساءل: متى ستتوقف هذه الأمواج؟ هل سأشعر يومًا بشيء أكثر من الأسود والأبيض؟ - دانيال شور

ستنجح!

صورة
  يبدو الأمر مستعصيًا حد الاستحالة حيث تقف الآن، ولكنك ستفعلها. ستتعثر، وتسقط، وتعود إلى نقطة البداية مرات عِدة. ستتألم وستدمى، ستجري دماء جراحك القديمة حامِلةً معها دماء أخرى جديدة. من هول ما أنت فيه، ستظن أن قدرك الأبدي هو أن تكون عالقًا في شِبَاك اللا شيء. ولكن صدقني، ستتخطى، ستنجو، ستنجح...  ستتعثر وتسقط، وتعود إلى ما استنزفك، قدر ما يحتاج جلدك من مرات حتى يقسو، وقدر ما يحتاج عقلك حتى يدرك الحكمة، وقدر ما تحتاج روحك حتى ترضى. ثم، يومًا ما، ذات صباح أو ذات مساء، ستجد نفسك وقد عبرت الحواجز وحطمت القيود. ستستشعر حرية غريبة على حواسك، درجة أنك لن تعي للوهلة الأولى أنها حرية. صدقني، ليس أملًا كاذبًا، فأنا أعلم أن الأمر يبدو مستعصيًا حد الاستحالة حيث تقف الآن؛ لأنني لبثتُ دهرًا كاملًا حيث تقف أنت.

غلبني الشوق

هذا ما أفعل في الأيام التي ينخر شوقي إليك فيها عظامي: أجبر شروخ عظامي بجبيرة الذكريات، أعيد على مسامعي ذبذبات صوتك، أسقي عيناي شيئًا من مُحياك يا حلو المُحيا. ثم أكتب إليك، خطابات لن تصلك، أكتب إليك كل ما يحدث في حياتي وكل ما يجول بخاطري كما كنت سأقوله لك، كما كنت ستحب أن تسمعني أقوله. ثم أدعو الله أن يحفظك بحفظه وأن يحرسك بملائكته وأن يُطمئن روحك الحائرة، وأن يهدي قلبك إليه وإليّ. ثم أسلي نفسي بحديثٍ معك... في رأسي، وأحرص أن يشمل بعض "النكش" وبعض الغزل، ثم أختمه بابتسامتك الجميلة وابتسامتي الآمنة. يُقال: أفضل شيء حول افتقادك لشخصٍ ما، أنك كلما ابتعدت عن آخر يوم للقائكما، فإنك تقترب من يوم لقاءٍ آخر. عل لنا لقاء عما قريب، لقاء يُشبع جوع روحي ويروي ظمأ قلبي... ويُرسي حيرة روحك فيَسكُن قلبك.

أقول اسمك

 أقول اسمك، فتَلُّفُني أُلفَةٌ غريبة.  أقول اسمك، ويُلفَظ كشيء اعتاد أن يجري على لساني لسنوات. قد أنادي به غيرك، وقد أعني به غيرك، ولكني دومًا أرى صورتك، ولكنه دومًا يشير إليك فوق كل شيء، وكأن العالم كله نُسَخٌ عن أصلٍ لا يملكه أحد سواي.  أقول اسمك، بكل سهولة، كتهويدة تحفظها أمٌ عن ظهر قلب. كتهويدة هي السر الذي يسحب صغيرها إلى نوم مطمَئِن. أقول اسمك، وآلفه، وأحيانًا يُخيل إليَّ أنه كل ما تبقى لي منك، ولكن حتى حينها، أدعو ألا يستغربه قلبي، وألا يستثقله لساني ما حييت.

بها شيء معطوب

صورة
  بها شيء معطوب.  تراه في ابتسامتها الواسعة التي تستطيع أن تداوي النفوس المُثقَلة. وتراه في لمعة عيونها التي تشرق بصدق، كشمسٍ أقسمت أن تمحو ظلمة الأرواح المتعبة.  بها شيء معطوب، تلمسه في كلماتها التي تنتقيها بعناية فائقة؛ فهي عندما تنطق، تنطق بحذر شديد، وكأنها تخشى أن تطلق من فمها سهامًا تصيب بها موضعًا لا يطيب وتثير بها جرحًا لا يندمل، أو كأنها تخشى أن يخرج من جوفها ما قد يدل السامعين إلى مكمن العطب.  بها شيء معطوب، تراه في مشيتها الواثقة وفي حركاتها المتناسقة، وفي دقاتها المدروسة.  كل شيء فيها يصرخ جمالًا وهيبة، ولكن الأمر يتطلب أن تكون على شاكلتها حتى تعي أن لا أحد يولد بهذه المثالية. كل شيء متقنٌ فيها لم يولد من رحم امرأة.  يتطلب الأمر أن تكون على شاكلتها حتى تعي أنها انسلخت من جلدها مرة تلو مرة وعانت ولا تزال من آثار التحور الحتمي الذي خاضته في رحم الزمن؛ كل شيءٍ متقن فيها لم تكن ولادته آدمية. حركاتها وسكناتها كلها تخفي وراءها ندبات المعارك التي لم تكن الفائزة فيها كلها، ندبات -رغم انسلاخها من جلدها- كانت أعمق من أن تختفي.  وأراهنك أنك إن أمعنت النظر، سترى شروخ قسماتها التي ما فتأ