أحببت وغدًا - مراجعة


 لا أحب قراءة الكتب المشهورة. شيء ما داخلي كان يخبرني أن لا شيء في الحياة يستحق كل هذا الالتفاف حوله، بالإضافة إلى بعض التجارب المريرة لقراءة بعض المؤلفات التي ذاع صيتها، لأجد في النهاية أنها لم تُضِف لي أي شيء، بل استنزفت طاقتي وصبري لأتكمن من إنهاء قراءتها؛ علني أجد بين ما تبقى من صفحات وأسطر ما يشفع لتجمهر القُرّاء حولها.

لهذه الأسباب بالتحديد تأخرت كثيرا في اقتناء وقراءة هذا الكتاب وإخوته (لطالما شعرت أنهم إخوة: "أحببت وغدا" ثم "أبي الذي أكره" ثم "ممتلئ بالفراغ"). واليوم حديثنا حول كتاب/ أحببت وغدًا. 

أستطيع أن أقول أنني وأخيرًا فهمت لمَ يشعر كل من قرأ الكتاب أنه هو الوغد ولا أحد غيره، وذلك لأن بعض طرائق الإيذاء التي يوضحها الكتاب قد يقترفها أيٌ منا بمنتهى البراءة، دون وعي أنها قد تؤذي الطرف الآخر، فقط لمجرد أننا تبرمجنا على التصرف بهذه الطريقة؛ بسبب الأسلوب الذي تمت تربيتنا به أو الطريقة التي تلقينا بها الحب في الصغر. وهنا المأخذ الأول على الكتاب: كان أجدر بالكاتب أن يذكر العلامات الفارقة بين الحالتين: أن تكون مؤذيًا بحق، أو تكون بريئًا ينقصه بعض الوعي.

ووجدت أيضا أن الكتاب لم يوضح بشكل كافٍ الفرق بين الشخصية النرجسية في العلاقات، والعلاقات المؤذية، ولو أنه قد أتى على ذكر الفرق بالفعل، إلا أنه لم يركز على إيضاحه، وذلك في رأيي من أهم ما وجب الفصل فيه. 

لمست في الكتاب قسوة بعض الشيء على الروحانية والجانب الروحاني في العلاقات، وربما أزعجتني هذه النقطة بالأخص؛ لإيماني الشديد أن للإنسان موازين أبعد وأعقد من ميزان العقل والقلب. 

وأخيرًا وليس آخرًا، يَعِدُ الكتاب أن يكون دليلا للتعافي من العلاقات المؤذية، إلا أنني وجدته دليلا لاكتشاف العلاقات المؤذية أكثر من كونه دليلا للتعافي منها، ولأن التعرف على المشكلة أولى خطوات علاجها، لا أعتبر هذه الملاحظة مأخذًا على الكتاب، إنما قد وجب ذكرها.

هل يعني كل ذلك أن الكتاب لا يستحق القراءة؟ إطلاقًا، بل العكس هو الصحيح!

الكتاب خير باب للتعرف على الأنماط الخفية للأذى النفسي تحت مسمى الحب والعلاقات العاطفية، ويسلط الضوء على بعض النقاط التي يغفل عنها الكثيرون، وبالأخص من ليس لديه الوعي الكافي بموضوع العلاقات أو من يود أن يبدأ رحلته في عالم التعافي من الصدمات النفسية بشتى أشكالها. كما أن الكتاب يلفت نظر القارئ لنقطة في غاية الأهمية، ألا وهي عدم إخلاء الشخص الواقع عليه الأذى من المسئولية؛ فصدق أو لا تصدق، سماحك للمؤذي أن يؤذيك يشير إلى نقاط فيك تستوجب العناية والتقويم، فمن وقع عليه الأذى ليس ضحية مسلوبة الإرادة مكسورة الجناح، وبقدر ما تحمل هذه الحقيقة من ألم إلا أنها تحمل قدرًا أكبر من الأمل في التعافي، واتخاذ قرارات أفضل في المستقبل الذي يلي هذه التجارب القاسية.

أسلوب الكاتب سلس ولغته محكمة، لم أجد صعوبة في فهم الكتاب أو استيعاب فقراته، لذلك لن تواجهكم أي مشاكل من هذه الناحية. 

أتمنى لكم قراءة مثمرة وممتعة. إلى اللقاء في مراجعات قادمة.


تعليقات

اقرأ أيضًا

قدَر

الحب ليس كافيًا

ما وراء رسائل هاربة