فلسطين قضيتي

فلسطين قضيتي، سلسلة مقالات تعرض بعض الحقائق التاريخية حول القضية الفلسطينية 



1. اليهود VS الصهاينة


دعونا نبدأ بالأساس، وهم اليهود:

اليهود وبمنتهى البساطة هم متبعو "الدين" اليهودي، الذي من المفترض أنه شريعة سيدنا موسى عليه السلام. سموا أنفسهم اليهود لاعتقادهم أنهم من نسل سكان مملكة يهوذا اللذين بدورهم ينسبون لأسباط (أقارب) بني إسرائيل.
يستوجب الإسلام أن تكون مؤمنا بالأديان السماوية الثلاثة وكتبها التي أنزلها ربنا على رسله، وأيضا أن تكون مؤمنا بأن كل شريعة كانت تتنزل فهي بدورها تكمل سابقتها وتلغيها، إلى أن نزل الإسلام وقال ربنا جل وعلا:


"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"- سورة المائدة (الآية 3)


وبناءً عليه، فإن اليهودية التي أُنزلت على موسى مختلفة تماما عن الشريعة اليهودية المزعومة المتبعة حاليا. اليهودية حُرفت، وعُدِلت بما يناسب أهواء الكهنة مما غير منها بشكل جذري، يكفيك علما أن التوراة الغير محرفة (كتاب الديانة اليهودية) كان مذكور فيها بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، مما يعني أن يهود موسى كانوا سيتحولون إلى الإسلام وقت بعثة عيسى عليه السلام ومن بعده محمد صلى الله عليه وسلم.


ثانيا: الصهاينة


يعود أصل كلمة صهيوني إلى صهيون وهي أحد ألقاب جبل يعتبر الأقرب إلى مكان بناء الهيكل في القدس كما كُتب في الصحائف اليهودية والمسيحية، وهي كلمة تعبر عن أرض الميعاد. وعلى سيرة أرض الميعاد؛ فمن الضروري أن تعرف أن المتدينين من اليهود يعتقدون بأن أرض الميعاد هبة من الله لبني إسرائيل، ولا يصح أن تقوم على يد بني البشر مثل ما فعل بعض اليهود وأنها ستقوم على يد المسيح المنتظر.


فلسطين قضيتي (اليهود Vs الصهاينة)39197038684906780


بدأت الحركة الصهيونية بسبب عدة أحداث جرت ما بين 1890- 1945 ميلاديا، بداية من التوجه المعادي للسامية في روسيا، ومخيمات الأعمال الشاقة التي مارسها النازيون في أوروبا على اليهود، وانتهاء بالمحارق الجماعية لليهود بعد الحرب العالمية الثانية. كل هذه الأحداث جعلت اليهود - بعد ما هربوا لدول شتى- تتنامى عندهم الرغبة في أن يكون عندهم وطن يجمعهم، وكان قد بدأ الترويج لهذه الفكرة - فكرة الدولة اليهودية والصهيونية- على يد ثيودور هرتزل (صاحب الصورة أعلاه) لما كتب ورقة بعنوان "الدولة اليهودية" سنة 1896، إلا أن هذه الأحداث جعلت كل من عارض الفكرة سابقا يرحب بها ويستحسنها.  


جدير بالذكر أن فلسطين لم تكن مبتغاهم أو هدفهم المعني بالتحقيق (مما يشير إلى أن خرافة الهيكل ليست صحيحة وهي مجرد غطاء كاذب لتبرير توجه الصهاينة نحو فلسطين)، كانت المقترحات الأولية للتوجه للأرجنتين وبعدها لكينيا، ولكن ارتأى الكيان الصهيوني أن العرب هم الأضعف، واستقر الرأي على اختيار فلسطين.  بدأوا الخطوات الفعلية بإنشاء بنك لليهود لتجميع أموال اليهود في مكان واحد، وروجوا لهجرة اليهود لفلسطين لكي تزيد نسبة اليهود في المنطقة مقارنة بنسبة العرب.


منذ بداية مجرد حركات الهجرة، لاحظ الوطن العربي والشعب الفلسطيني بالأخص أن هذه الهجرة تتم بشكل كثيف وغير طبيعي، ورفضوا المزيد من الهجرة إلى أراضيهم، ولأن فلسطين وقتها كانت تحت حكم السلطة الإنجليزية قامت السلطة الإنجليزية بالدعوة شكليا لوقف هجرة اليهود، بينما قامت ثورات في فلسطين ورد عليها اليهود بعمل مليشيات مسلحة بحجة الدفاع عن النفس أمام الثوار العرب الفلسطينيين (مما يعني أنه منذ بداية الأزمة والفلسطينيون ثابتون ولم يبيعوا أراضيهم وأن المعتدي والمغتصب هم الصهاينة).

 بعدها أعلنت القوات الإنجليزية انسحابها من فلسطين وقُرر تقسيم فلسطين الى دولتين، واحدة عربية والأخرى يهودية، وفي سنة 1948 أعلن الصهاينة قيام " دولة إسرائيل".


 لذلك يجب أن نعي أن أي شخص يمول أو يدعم أو يؤمن أو يرضى بفكرة هذا الكيان فهو صهيوني سواء   كان يهوديا أو غير يهودي، وأن هناك يهودا غير راضين أو معترفين بهذا الكيان، وعليه فهم ليسوا صهاينة.

 كانت هذه هي البداية لكل الجرائم الإنسانية المرتكبة في حق فلسطين وبعض الجرائم المرتكبة في حق الإسلام.



2. لماذا فلسطين دونًا عن سائر الأرض؟

كما ذكرتُ سابقا فإن فلسطين لم تكن مُبتغى الكيان الصهيوني الأول، ولكن بعد دراسة وضع المنطقة آن ذاك من قِبل منشئي الكيان وأعوانهم والداعمين لهم، بالإضافة إلى ضعف وهوان الخلافة العثمانية وقتها والتي كانت قد أذاقت داعمي الصهيونية الأمريّن والتي كانت تؤوي تحت رايتها رقعة كبيرة من بلاد المسلمين ومن ضمنها فلسطين، بجانب المزاعم الدينية التي تشبث بها اليهود لتبرير اقتحامهم واستيلائهم على أراضي فلسطين؛ ارتأوا أن يبدأ حلم الدولة اليهودية في فلسطين.

واتبع اليهود في اقناع ذوي ديانتهم أكاذيبا نشروها واختاروا أن يصدقوها وهي:

  • أرض الميعاد والحق الديني لليهود في فلسطين
  • الحق التاريخي والطبيعي لليهود بتلك الأرض
  • فلسطين صحراء خالية
  • فلسطين أرض بلا شعب
  • الفلسطينيون خرجوا منها طوعا
  • اليهود حولوا صحراء فلسطين إلى جنان


من الناحية الدينية، فقد أعطى الله بني اسرائيل هذه الأرض عندما استقاموا ورفعوا راية التوحيد عليها تحت قيادة رسلهم وصالحيهم، ولكنهم انحرفوا وقتلوا أنبياءهم وعاثوا في الأرض فسادا ففقدوا بذلك حقهم في الأرض التي أعطاها الله لهم. ونحن كمسلمين نؤمن بأننا ورثة راية التوحيد وبأننا الامتداد الحق لرسالة الإسلام في الأرض كما كان قبلنا قوم موسى وقوم عيسى وسائر الأنبياء -كما شرحت في المقال السابق- وعليه فإن المسلمون الآن هم الأحق بهذا الميراث لاستقامتهم على شريعة ومنهاج الله بعد أن انحرف الآخرون عنه ولذلك بدلهم الله. وناهيك عن رؤية المسلمين؛ فإن لليهود حريتهم الدينية وليس من حق أحد أن يجبرهم على تحويل ديانتهم كما ليس من حقهم إجبار أحد على اعتناق عقيدتهم، وكما لا يحق لهم أن يشردوا شعبا من دياره ويسلبوا أملاكه ومقدساته تحت مبرر دعاواهم الدينية. وفوق هذا وذاك، فإن أحبارهم وحاخاماتهم رفضوا تحويل عاطفتهم الدينية لمشروع عملي، لأنهم يرون بأن اليهود استحقوا الطرد من الأرض المباركة والتشتت لخطاياهم، وأن عليهم انتظار المسيح المخلص الذي سيسمح مرة أخرى بدخول فلسطين وإقامة كيانهم.


أما من الناحية التاريخية، فإن حكم بني إسرائيل لفلسطين لم يتجاوز الأربعة قرون بينما حكمها العرب والمسلمون مدة اثني عشر قرنا قطعت لفترة وجيزة بالحروب الصليبية. ثم إن أصل معظم اليهود وما يجاوز الـ80% منهم لا يرجع أصله إلى بني إسرائيل ولا إلى فلسطين بأي صلة نسب كان أو تاريخ، بل هم من يهود الخزر الذين ترجع أصولهم إلى قبائل تترية تركية قديمة استوطنت جنوب روسيا ودخلت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وعندما سقط ملكهم انتشروا في روسيا وأوروبا. فإن أرادوا حقهم التاريخي، فليعودوا إذًا الى روسيا.


وللرد على باقي الأكاذيب اسمحوا لي أن أقتبس بالنص كلام بني موريس أحد أبرز المؤرخين اليهود؛ فليس أفضل من بني جلدتهم من هو ليدحض أكاذيبهم. قال بني موريس: 


" نحن الإسرائيليين كنا طيبين، لكننا قمنا بأفعال مشينة وبشعة كبيرة، كنا أبرياء لكننا نشرنا الكثير من الأكاذيب وأنصاف الحقائق التي أقنعنا أنفسنا وأقنعنا العالم بها، نحن الذين ولدنا لاحقا بعد انشاء الدولة علافنا كل الحقائق الآن بعد أن عرض علينا زعماؤنا الجوانب الإيجابية فقط من تاريخ "إسرائيل"، لكن للأسف كان ثمة فصول سوداء لم نسمع شيئا عنها، لقد كذبوا علينا عندما أخبرونا أن عرب اللد والرملة طلبوا مغادرة بيوتهم بمحض إرادتهم، وكذبوا عليما عندما أبلغونا أن الدول العربية أرادت تدميرنا، وأننا كنا الوحيدين الذين نريد السلام طوال الوقت، وكذبوا علينا عنما قالوا: "أرض بلا شعب لشعب بلا وطن"، وكذبة الأكاذيب التي سموها الاستقلال، لقد حان وقت معرفة الحقيقة، كل الحقيقة، وهذه ملقاة على عاتقنا نحن المؤرخين"

وللإجابة عن باقي التساؤلات التي تخص اختيار فلسطين، يجب ترسيخ بعض المعلومات الأساسية في عقولنا، وهي أن الصهيونية -وقد سبق تعريفها في المقال السابق- فكرة دينية وسياسية معا وأن كلا الشقين، الديني والسياسي يسند كل منها الآخر لإرساء قواعد هذا الكيان البالية. أما الفكرة الدينية فتتمثل في تحقيق الطموح الديني اليهودي في الاستيلاء على فلسطين وإعادة بناء هيكل سليمان بعد هدم المسجد الأقصى؛

قال ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للكيان: "لا معنى لفلسطين دون القدس، ولا معنى للقدس بدون الهيكل"


والفكرة السياسية تتمثل في فكرة الدولة الحاجزة التي تصب في صالح أوروبا وأمريكا -وسآتي على شرحها- بجانب حلم الدولة اليهودية والتي تمتد من النيل إلى الفرات. فإذا كان لهم ما يزعم لهم حقهم في فلسطين فإن لهم كذلك ما يزعم حقهم في أرض سيناء والدلتا؛ ففيها جبل الطور الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام وفيها نزل عليه الوحي، ولهم ما يبرر حقهم في العراق؛ فباستطاعتهم أن يقولوا بأن بني إسرائيل قد سكنوها حقبة من الزمان. وهو حق باطل وحق يراد به باطل.


لاحظوا حدود حلم الدولة اليهودية في الخريطة التالية:

فلسطين قضيتي (لماذا فلسطين دونا عن سائر الأرض؟)66921741075064680


هناك سببان دفعا الغرب لمساندة الكيان الصهيوني:


أولا: شكل النصارى البروتستانت معظم سكان أوروبا وكانوا ينظرون لليهود نظرة توراتية بأنهم "أهل فلسطين"، وآمن معظمهم بنبوءة العهد الألفي التي تشير إلى أن اليهود سيجمعون في فلسطين استعدادا لعودة المسيح المنتظر الذي سيقوم بتنصيرهم وينتصر بهم على أعدائه.


ثانيا: الحركة العلمانية في أوروبا حررت الأوروبيين من وطأة حكم الكنيسة، مما سمح لليهود بالارتقاء في المجتمع الأوروبي بحرية. وفي المقابل شهدت روسيا حيث يتمركز معظم اليهود حركات مضادة للسامية (أي معادية لليهود)، مما أدى لهجرة أعداد هائلة من يهود روسيا إلى أوروبا والأمريكتين.


لهذا عندما قامت دعوات للدولة اليهودية لحل مشكلة اليهود تعاطف معهم الكثير من الأوروبيين والامريكان، سواء لخلفياتهم الدينية أو للتخلص من أعباء توافدهم إلى أراضيهم.


إذا نظرنا نظرة خاطفة على التاريخ لوجدنا أن الخلافات الإسلامية التي وحدت المسلمين شرق الأرض ومغربها كانت السبب الرئيسي في قوة المسلمين والتي كان آخر عهدنا بها هي الخلافة العثمانية. كانت هذه الوحدة بالمرصاد لأي تدخل قد يضر بأرض العرب والمسلمين والتي تحوي من الخيرات ما يطمع به أي طامع (صدقوني لست من المؤمنين بنظيرة المؤامرة، ولكن كلما قرأت وجدت كل الخيوط تشير إليها)، لذلك كان من مصلحة أوروبا وبعدها أمريكا عندما ظهرت أن تشق وحدة هذا الصف العربي الإسلامي؛ لذلك دعموا وبشدة نشأة وبداية الكيان الصهيوني وبعدها الدولة اليهودية في فلسطين.


فكرة الدولة الحاجزة:


 ضعف الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، جعل الأوروبيين يفكرون في طريقة يمنعون فيها قيام دولة إسلامية أخرى بعدها وألا تقوم بعدها للعالم الإسلامي قائمة، فقامت فكرة الدولة الحاجزة التي تتوافق مع فكرة حل المشكلة اليهودية. على أن تقع هذه الدولة شرقي قناة السويس وغرب بلاد الشام، بحيث يتم غرس كيان غريب يفصل الجناح الاسيوي عن الجناح الافريقي للعالم الإسلامي وبالتالي يمنع وحدته ويضمن تفككه، لأن استمراره يعتمد على مدى ضعف من هم حوله. وسيسعى هذا الكيان بالتالي لضرب أي تقدم قوي في المنطقة وسيشغل العالم الإسلامي بمشكلة طويلة الأمد معقدة تستنزف طاقته وجهوده وتبقيه تابعا للعالم الغربي وبالتالي تبقيه مصدرا للمواد الخام وسوقا للمنتجات الغربية. وكما أن هذا الكيان سيكون بحاجة إلى دعم الغرب لضمان استمراره، فإن الغرب سيكون بحاجة اليه لضمان ضعف العالم الإسلامي وبذلك يكون بينهما تحالف لا ينفصم.


وهذه الفكرة كفيلة بأن تشرح السر الغريب وراء دعم الغرب المستميت للكيان الصهيوني والدولة اليهودية في فلسطين، وكفيلة بأن تجعل كل عربي يعي مدى صدق مقولة أن إسرائيل سرطان في قلب العالم العربي يحتاج وقفة حازمة واعدادا للصفوف للتخلص منه، وأن ضررها لن يقتصر على فلسطين وحدها، بل أن فلسطين كانت هي البداية. لذلك فلسطين قضيتي منذ أن أصبحت قضية قبل أن تكون قضية أي فصيل آخر. 


3. استراتيجية الاستيلاء على فلسطين


بداية من أواخر الحكم العثماني مرورا بالانتداب البريطاني وانتهاء بالاحتلال الصهيوني؛ كيف سرق الصهاينة أرضنا في فلسطين؟


إليكم الجواب التالي:


بعد ضغوط متزايدة من بريطانيا على الخلافة العثمانية المتداعية، عام 1911 تم إعطاء الأجانب الحق في التصرف في الأراضي العثمانية ما عدا الحجاز، تماما كالعثمانيين دون شروط سوى ما يتعلق بالشئون الإدارية، وكذلك قدمت بعثة بريطانية أرسلتها بريطانيا لمسح أراضي فلسطين ودراستها، التي استمرت 6 سنوات، حددت فيها مصادر المياه و كل ما يتعلق بتربتها وخصوبتها، وهذه الدراسة ساهمت بشكل كبير في تحديد الأهداف أمام الصهيونية لاقتناص الأراضي القريبة من مصادر المياه والغنية بالثروات وخاصة عند اتفاقيات ترسيم الحدود التي سآتي على ذكرها.


قامت عدة حركات سياسية أثناء الحكم العثماني – والتي سيطول بنا الحديث إذا استفضنا في ذكرها – بداية من منتصف القرن التاسع عشر للتحايل على قوانين الدولة العثمانية التي كانت تعي مطامع الصهيونية في أرض فلسطين وكانت تحد من الهجرة وتملك اليهود للأراضي الفلسطينية. ولكن مع زرع الخونة داخل أنظمة الخلافة العثمانية الذين أعمتهم الأموال، وعلى الرغم من نشاط عدة منظمات فلسطينية خلال تلك الفترة لمواجهة الخطر اليهودي، استطاع اليهود اقتناص 650 ألف دونم (الدونم=1000 متر مربع) بحجة إنعاش الزراعة وإقامة المستشفيات والجامعات، والتي كانت معظمها تؤول إلى إنشاء أحياء يهودية لليهود المهاجرين إلى فلسطين، وذلك في الفترة بين 1850 الى 1920.


من الأسباب الأخرى التي سهلت على اليهود انتزاع أرض فلسطين، أن الدولة العثمانية باعت بعض أراضي فلسطين التي عجز أهلها عن سداد ديونها المستحقة للدولة إلى أغنياء لبنان وسوريا، وهكذا حصل كبار الملاك (الإقطاعيون) على الأراضي الفلسطينية كسلعة، وعندما وجدوا من يدفع لهم أكثر، باعوا هذه الأراضي لليهود. بلغت مساحة هذه الأراضي 625 ألف دونم وفقا لما أوردته الوكالة اليهودية وهو ما يعادل تقريبا 2.5 % من مساحة فلسطين. وبلغت مساحة الأراضي التي اشتراها اليهود من عرب فلسطين بسبب الظروف القاهرة مساحة 261,400 دونم وهو ما يعتبر أقل من 1% من مساحة البلاد البرية.


بعد حصول الصهيونية على وعد بلفور من بريطانيا سنة 1917، على إثره تم الانتداب البريطاني على فلسطين والذي كان يرأسه اليهودي البريطاني هربرت صموئيل، وخلال هذا الانتداب تم نقل ملكية مساحات من أراضي فلسطين لليهود، ولا داعي أن أذكر لكم أنها تمت بطرق غير شرعية. بموجب البند رقم 60 في الاتفاقية البريطانية التركية في لوزان آلت جميع أراضي فلسطين العثمانية إلى حكومة الانتداب البريطاني دون أي مقابل. حينها سارع المندوب السامي بمنح 250 ألف دونم من الأراضي بين يافا وحيفا وساحل البحر الميت لليهود، وهي أراضي مهمة وغنية بالثروات الطبيعية. وحتى عام 1948 – عام النكبة وخروج بريطانيا وإعلان قيام الدولة اليهودية – لم يكن مع اليهود سوى مليوني دونم من مساحة فلسطين وهو ما لا يتعدى 7% من مساحتها. بالإضافة إلى ذلك فتحت بريطانيا باب الهجرة أمام اليهود فازداد عددهم من 55 الفا سنة 1918 إلى 646 الفا سنة 1948 أي أصبحوا حوالي 31% من ساكني المنطقة.


حتى الآن كل هذا يشير إلى مدى استعصاء استيلاء الصهاينة على فلسطين لشدة تمسك الشعب الفلسطيني بأرضه ومقاومته لحركات سرقتها.


يقول هنري فورد المليونير العالمي:

"إن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهودية ومن المتعذر على أي ناطق يهودي مهما افتقر الى الشعور بالمسئولية أن ينكر الحقيقة الواقعة وهي أن إدارة فلسطين يهودية"


ويضيف في مقال آخر: 

" لو عرف العالم حقيقة الأساليب التي اتبعت لاغتصاب أراضي فلسطين من أهلها العرب في الأيام الأولى من الغزو الصهيوني، أو لو سُمِحَ لهذا العالم بمعرفتها، لَعَمَّهُ السخط والاشمئزاز".


بعد ليلة 15 مايو 1948 التي أُعلن فيها قيام "دولة إسرائيل" قامت حروب بين الميليشيات اليهودية المسلحة والمقاومة العربية الفلسطينية والتي لضعفها لم تستطع أن تقف في وجه قوات الاحتلال. بعد عام 1948 قام الاحتلال اليهودي بالاستيلاء على المنازل تحت ما سماه قانون "الاستيلاء على أرض ساعة الطوارئ" الذي سمح لهم بإعلان مساحات من البلاد مناطق مغلقة، يحظر على العرب الدخول اليها أو الخروج منها، هذا الوضع أدى لانتقال ملكية الأراضي للصهاينة بحجة الأمن، بالإضافة إلى الأراضي التي استولت عليها تحت قانون "أملاك الغائبين" بحجة أنها أراضي مهجورة آلت ملكيتها إلى الدولة، هؤلاء هم نفسهم الغائبون الذين تم تهجيرهم إلى بلاد أخرى ومُنعوا من العودة. والأقلية العربية التي بقيت في فلسطين خضعت للوائح جردتها من حقها في أراضيها. 


لم تتبع الصهيونية بعد ذلك إلا الإرهاب الصريح والمذابح البشعة التي محت قرىً بأكملها من الوجود من المدن التي احتلتها – مدن الداخل المحتل – وستكون هذه الفقرة مليئة بالاقتباسات.

يقول إسرائيل شاحاك: 

"إن الحقيقة عن القرى العربية في دولة إسرائيل قبل عام 1948 هي أكثر الأسرار حرصا على الإخفاء في الحياة الإسرائيلية، فليس هناك منشور أو كتاب أو نشرة تتضمن عدد هذه القرى وسكانها، وقد جرى ذلك عن عمد بهدف توفير إمكانية جعل أسطورة البلد الفارغ مادة للتدريس، وللزوار وذلك عن طريق تسوية القرى العربية بالبلدوزرات، والقول بأن هذه الأرض كانت صحراء خالية"

دمر الصهاينة 478 قرية من أصل 585 قرية كانت قائمة على أراضي الاحتلال وارتكبوا 34 مجزرة، أشهرها دير ياسين التي ذُبح أهلها كلهم عن بكرة أبيهم، والتي كتب عنها مناحم بيغين قائلا:

"إن مذبحة دير ياسين أسهمت في تفريغ البلاد من 650 الف عربي، ولولا دير ياسين لما قامت إسرائيل"


وقال روجيه غارودي في كتاب الاساطير المؤسسة لدولة إسرائيل: 

"كان للصهاينة أيام تصريح بلفور لا يملكون إلا 2.5% من الأراضي، وعندما تم تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، كانوا يملكون 6.5% منها، أما في عام 1982 فإنهم أصبحوا يملكون 93%"


لم يتوقف الاستيلاء على أراضي فلسطين عند هذا الحد، وبعد حرب عام 1967 بدأ الاحتلال في التوغل داخل الأراضي التي لم تكن لهم وفقا لحدود 1948، وهذه الأراضي هي الضفة الغربية والقدس اللتان كانتا تحت وصاية الأردن، وقطاع غزة الذي كان تحت وصاية مصر.


في الضفة الغربية: توالت المصادرات لأراضي الضفة الغربية حتى بلغت 25%، بالإضافة إلى 8% أراضي غائبين في حكم المصادرة. بجانب 100 ألف دونم فقدها المزارعون العرب رغم ملكيتهم الخاصة لها. وأقام الصهاينة ما يقارب 160 مستوطنة لليهود على أراضي الضفة بهدف إحكام السيطرة على هذه الأراضي.


في قطاع غزة: وقعت غزة تحت الاحتلال بعد هزيمة حرب 1967 وتشير بعض المصادر أن إسرائيل قد استولت على 43% تقريبا من مساحة القطاع، بحلول سنة 1990، وفي جرد لمستوطنات قطاع غزة سنة 1993 بلغ عددهم 16 مستوطنة يسكنها 3800 مستوطن.


أما القدس: خلال الشهر الأول فقط تم مصادرة 20% من مساحة البلدة القديمة وطرد أكثر من 6000 فلسطيني خارج أسوارها وتمت مصادرة 630 عقارا وهدم 135 عقار آخر. والقوانين التي أصدرها الاحتلال والتي تضمن استيطان اليهود في أحياء القدس وملكيتها وتوريثها وتمنع كل ذلك عن العرب كثيرة ولا يسعنا ذكرها هنا. وانتهى الاحتلال بالاستيلاء على 88% من مساحة القدس العربية.


قال رعنان فاتيس رئيس قسم الاستيطان في الوكالة اليهودية لصحيفة الجيروزاليم بوست عام 1977: 

"إن مخططي الاستيطان الصهيوني خلال الستين عاما المنصرمة عملوا على أساس أن حدود المستقبل للدولة اليهودية يجب أن تُعيّن من خلال أنظمة من المستوطنات السكانية، تبدأ كنقاط استيطانية، وتأخذ بالتوسع لأكبر مساحة ممكنة من الأرض"


وهو لمعلوماتكم ما تحرمه القوانين الدولية، التي بموجبها لا يحق للدولة المحتلة أن تنقل شعبها المدني إلى الأراضي التي احتلتها.


ما كانت هذه الأفعال إلا تطبيقا لتصريحاتٍ لقادةِ وزعماء الصهيونية الأوائل، التي أصبحت اعتقادا راسخا في أذهانهم، ولكن ما بني على باطل فهو باطل وإلى زوال مهما طال، وفلسطين كاملة بمساحتها التي تقدر  بـ27 مليون دونم من النهر إلى البحر عربية مهما حاولوا طمس الحقيقة وتزييف التاريخ.


4. التهجير وحق العودة


تحدثنا في المقالات السابقة عن أرض فلسطين، وآن الأوان أن نتكلم عن أهل فلسطين.

سنعرض معا في مقالين متتاليين كيف تم التهجير القسري لأهل فلسطين وكيف هي حياتهم داخل وخارج فلسطين وماذا عن حقهم في العودة.



تقسيم فلسطين عام 1947م.

أصدرت الأمم المتحدة في يوم 29 نوفمبر 1947 قرارها رقم 181 والذي بموجبه يتم انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين وتقسيمها بالشكل التالي:

1.   دولة يهودية تساوي مساحتها 57.7% من مساحة أراضي فلسطين

2.   دولة عربية تساوي مساحتها 42.3% من أراضي فلسطين

3.   القدس وبيت لحم وضواحيهما تظل تحت وصاية دولية

لاقى القرار استحسان الوكالة اليهودية في فلسطين والتي كانت الراعي الرسمي للصهاينة أثناء فترة الانتداب البريطاني، بينما لاقى سخط زعماء الصهيونية آن ذاك حيث صرح مناحيم بيغن أحد زعمائهم بأن أرض الميعاد كاملة والتي تشمل فلسطين الانتدابية وشرق الأردن مِلك لليهود وستبقى كذلك للأبد. فور التصديق على القرار انسحب المندوبون العرب وأعلنوا رفضهم للخطة؛ ذلك بأن القرار يمنح الصهاينة وهم 33% من السكان أكثر من نصف البلاد وكان كل ما استولوا عليه لا يتجاوز الـ7% من أراضي فلسطين ويعطي للعرب الفلسطينيين وهم 63% من السكان بقايا مشتتة من بلادهم، بالإضافة إلى وعيهم بأن الصهيونية إذا أخذت فلسطين اليوم فإنها غدا ستسعى لما وراءها.

اجتمعت الجامعة العربية بعد هذا القرار واتخذوا عدة إجراءات منها إقامة معسكرات لتدريب المتطوعين من الفلسطينيين على القتال وتكوين جيش عربي أُطلق عليه جيش الإنقاذ، وتحرك الشباب المسلم وبالأخص في مصر وسوريا وحملوا السلاح وتوجهوا إلى فلسطين. قامت عدة مواجهات بين انتصار وهزيمة أمام المليشيات الصهيونية المسلحة والمدعومة من الغرب والتي آلت فيما بعد إلى حرب النكبة سنة 1948. انتهت الحرب بأن حافظت الصهيونية على الأراضي التي منحها لها القرار بالإضافة إلى استيلائها على ما يقارب 60% من الأراضي التي خصصت للفلسطينيين وقامت بفرض الحكم العسكري عليها، سيطر شرق الأردن على أراضي الضفة وضمها له لاحقا وسيطرت مصر على قطاع غزة. 



 

التهجير القسري والتطهير العرقي

في الواقع، وعلى الرغم من أن أكبر عمليات التهجير كانت إبان حربيّ 1948 و1967، إلا أن التهجير والتطهير العرقي كان قد بدأ منذ زمن أبعد من 1947، ووضعت العديد من المخططات التي تخدم هذا الهدف. كل هذه الخطط تقع تحت بند كبير وهو "خطة الترانسفير" التي قامت بها الميليشيات الصهيونية سابقا وتقوم بها الآن الحكومة الإسرائيلية بهدف ترحيل الفلسطينيين من الأراضي التي تريد الصهيونية الاستيلاء عليها، وبهذا تحقق إدعاءها: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" وتضمن بقاء الكيان الصهيوني دون منافس في صراع البقاء. تمثلت خطة الترانسفير أثناء الانتداب البريطاني – كما تطرقنا سابقا – في شراء الأراضي من كبار الإقطاعيين وفي تشجيع هجرة اليهود إلى فلسطين وفي إنشاء المستوطنات بالإضافة إلى إرهاب الأهالي لإجبارهم على الرحيل والقيام بالمجازر التي محت قرى بأكملها.

 بداية من سنة 1945 صمم الصهاينة أربع خطط عسكرية بهدف إجلاء الفلسطينيين وهي الخطط (أ) و (ب) اللتان هدفتا إلى ردع المقاومة الفلسطينية، (ج) التي هدفت إلى تعزيز الجيش والشرطة الصهيونية، (د) التي هدفت إلى توسيع رقعة الأراضي المحتلة إلى أبعد من حدود التقسيم المقترح تبعا لقرار الأمم المتحدة، وكل خطة بدورها تشمل عدة عمليات. كان أشهرهم على الإطلاق هي الخطة (د) أو داليت كما بالعبرية والمؤرخة في مارس 1948. تمكنت هذه الخطط في النهاية من نزع ملكية الأراضي الفلسطينية وإنشاء ما يسمى بـ "دولة إسرائيل". هذا وقام الكيان الصهيوني بوضع عدة قوانين للاستيلاء على أملاك الفلسطينيين مثل قانون أملاك الغائبين الذي بموجبه كل من لم يتواجد بتاريخ معين ضمن حدود دولة إسرائيل فقد أملاكه، وبناءً عليه فقد ما لا يقل عن 700 ألف فلسطيني أراضيهم وبيوتهم، كما قاموا بإلغاء إمكانية تملك الأرض بعد فلاحتها.

الذين طردوا وشردوا عام 1948 كانوا آنذاك 805 آلف شخص، وأصبحوا بعد العام الخمسين للنكبة أكثر من 4 ملايين و600 ألف شخص حسب معايير الأونروا، وهو رقم لا يشمل الفلسطينيين المُهجَرِّين داخل حدود فلسطين إلى الضفة وغزة ومن هُجِّروا إلى لبنان وسوريا والأردن.

صرح موشيه ديان لصحيفة الهآرتس قائلا:

"لقد بنيت القرى اليهودية لتحل مكان القرى العربية. إنك لا تعرف أسماء تلك القرى العربية، وأنا لا ألومك على ذلك لأنه لا توجد كتب جغرافيا. وليس الكتب فقط، بل كذلك إن تلك القرى العربية لم تعد موجودة الآن … لا يوجد هنا مكان واحد في هذه البلاد لم يكن فيه سكان عرب"


خطة الترانسفير لاتزال قائمة حتى هذه اللحظة ويتم تنفيذها في الأراضي المحتلة أو "إسرائيل" وفي المناطق المحتلة التي تخضع شكليا للسلطة الفلسطينية مثل الضفة الغربية؛ ففي الداخل المحتل لا يتم الاعتراف بكثير من القرى وبالتالي لا يتم إمدادها بالبنية التحتية اللازمة كالماء والكهرباء ولا يُسمح بإعطاء تصاريح للتوسعة العمرانية الطبيعية للعائلات وهدم أي أبنية بدون ترخيص (وليس حي الشيخ جراح وحي بطن الهوى بسلوان عنا ببعيد)، كما أنه كانت هناك دعوات صريحة من سياسيين صهيونيين إلى ترحيل الفلسطينيين إلى الأردن. على صعيد آخر يتم مصادرة أراضي الضفة الغربية وبناء المستوطنات عليها (كما هو الحال في بيتا الآن) بالإضافة إلى تشديد القيود على فلسطيني القدس من أجل دفعهم للرحيل.

والأحداث التي شهدناها في الفترة الأخيرة من هجمات المستوطنين المسلحين على القرى والمنازل الفلسطينية والذي تتم بحماية الجيش ما هي إلا صورة من صور استراتيجيات التهجير كما هي عمليات القتل والخطف والإرهاب المستمر.

من الصور التي تصرخ معبرة عن التطهير العرقي هو جدار الفصل العنصري، وهو عبارة عن جدار أسمنتي يبلغ ارتفاعه ما بين 4.5 إلى 9 أمتار بالمناطق المأهولة بالسكان الفلسطينيين ومن المقرر أن يبلغ طوله 703 كم عند نهاية البناء. بنى الكيان الصهيوني الجدار في الضفة الغربية قرب حدود 1948 أو ما يسمى بالخط الأخضر، وبدأ بناؤه في 2002 إثر انتفاضة الأقصى بحجة حماية المستوطنين اليهود في داخل "إسرائيل" من هجمات فلسطيني الضفة الغربية. يتشكل الجدار من سياجات وطرق دوريات في المناطق غير المأهولة بالسكان، ولكن في المناطق المأهولة كالقدس والمثلث تم استبدال السياج بجدار اسمنتي. يمر جدار الفصل العنصري بمسار متعرج ليحيط معظم أراضي الضفة الغربية، وفي بعض المناطق مثل قلقيلية يشكل معازل (مناطق محاطة بالكامل بالجدار). وبالتالي من الجليّ لنا أن الهدف من الجدار هو تضييق الخناق على الفلسطينيين وعزلهم عن بعضهم بعضا وعن أبسط الحاجات الإنسانية كالتعليم والصحة؛ وذلك لصعوبة التنقل عبر الجدار للوصول للمستشفيات أو دخول المعلمين لمدارس المدن والقرى الصغيرة، وقد لا يستطيع الفلسطيني زيارة أهله وراء السياج أو الوصول لأرضه وحقوله. أدى وجود جدار الفصل العنصري إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية ومصادرة أراضي أخرى شرقي وغربي الجدار والتي كانت هي أيضا زراعية، وأدى كذلك إلى سيطرة الحركة الصهيونية على آبار وأحواض المياه الجوفية وحرمان الفلسطينيين من حقهم فيها مما بدوره يساعدهم على تنفيذ مخططات التهجير والترانسفير.


فلسطين قضيتي (التهجير وحق العودة - 1)41518366630403000


نعيد ونكرر بأن كل هذه الاستراتيجيات التي قام بها الكيان الصهيوني بداية من الاستيطان وانتهاء ببناء جدار الفصل العنصري هي استراتيجيات تنتهك كل القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان وتم تجريمها من قبل الأمم المتحدة، ولكن يظل دائما شبح القوة المتمثل في الولايات المتحدة وكل المطبعين مع الكيان من الشرق والغرب كالشوكة في حلق الحق، وأوشك الحق أن يقتلع الشوكة ويصدح بملء حلقه ضاحدا الباطل وآسرا ذاك الشبح.

في الجزء الثاني سنتحدث عن المواطن الفلسطيني المُهجر وعن حق العودة.


فلسطين قضيتي (التهجير وحق العودة - 1)72989419819288000


حال الفلسطيني في أرضه وخارجها


أدت حرب 1948 وبعدها حرب الأيام الست سنة 1967 إلى تشتيت وتهجير عدد يقارب نصف سكان فلسطين التاريخية، حيث لم يبق داخل الأراضي المحتلة سوى بعض العرب الفلسطينيين والذين يطلق عليهم الآن عرب 48 نسبة إلى الداخل الفلسطيني المحتل الذي يسمى بأراضي ال 48. هُجِّر الفلسطينيون إلى الضفة الغربية وإلى قطاع غزة، فأصبحتا بذلك خليطا من سكان أصليين ومُهجرين لاجئين ونازحين (اللاجئ هو من هُجر من بلاده عام 48 أما النازح هو من نزح من بلاده بعد حرب 67)؛ بالإضافة إلى تهجريهم إلى دول عربية وأجنبية والذين يطلق عليهم مصطلح فلسطينيو الشتات. يقدر العدد الكلي لفلسطينيي العالم في مطلع عام 2020 وفقا لمركز العودة الفلسطيني بحوالي 13 مليون و350 ألف فلسطيني يعيش ما لا يقل عن نصفهم خارج بلدهم.


تعتبر الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين) اللاجئين الفلسطينيين أولئك الذين أقاموا في فلسطين والذين فقدوا بيوتهم ومورد رزقهم نتيجة حرب 1948. كما أن ذرية أولئك اللاجئين الفلسطينيين الأصليين يستحقون أن يتم تسجيلهم في سجلات الوكالة باعتبارهم لاجئين كذلك. في عام 2015 سجلت الأونروا ما يقارب 5 ملايين ليرتفع العدد بعد بضع سنين إلى 6 ملايين لاجئ، يعيش ثلث اللاجئين المسجلين في مخيمات رسمية للأونروا يبلغ عددها 58 مخيم في كل الأردن ولبنان وسوريا (قبل الحرب الأهلية) وقطاع عزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ويعيش الثلثان الآخران في مناطق قريبة من هذه المخيمات لتيسير الوصول إلى الخدمات التي تقدمها الأونروا. تم إضافة عشر مخيمات أخرى لاستيعاب النازحين بعد حرب 67 واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة. وفقا لمركز العودة الفلسطيني وفي سياق نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2018-2019 الصادر عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، فإن العدد الحقيقي للمهجرين اللاجئين بما فيهم غير المسجلين لدى الأونروا يبلغ حوالي 9 مليون لاجئ، أي يفوق المسجلين لدى الأونروا بثلاثة ملايين لاجئ.


نتيجة الحروب والقوانين والاتفاقيات أصبح من الممكن تقسيم الفلسطينيين إلى خمس مجموعات، كل واحدة منها تسري عليها قوانين مختلفة ولها هوية مختلفة وإدارة مختلفة، وهذا التقسيم أحد صور الاضطهاد والاستبداد المتبع من الكيان الصهيوني تطبيقا لمبدأ "فرِّق تَسُد". هذه المجموعات هي سكان الضفة الغربية وقطاع غزة وعرب 48 (الداخل المحتل) وفلسطينيو القدس الشرقية وفلسطينيو الشتات. فيما يلي نعرض أحوالهم بشيء من التفصيل.


الضفة الغربية وقطاع غزة:


قبل حرب 1967، كانت الضفة الغربية بما -فيها القدس الشرقية- خاضعة للسيادة الأردنية، بينما قطاع غزة كان خاضعا للسيادة المصرية. حينها منحت الأردن الجنسية الأردنية لسكان الضفة الغربية ولمن لجأ إليها من مهجرين، وأصبحوا مواطنين أردنيين متساويين مع غيرهم في الحقوق والواجبات، وكانت الضفة الغربية جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية. أما غزة حينها لم يتم ضمها إلى مصر، واكتفت مصر بإدارة شئونها فقط. قامت في غزة السلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكان سكانها يتمتعون بالجنسية الفلسطينية، إلا أنها كانت جنسية ناقصة لعدم وجود دولة فلسطينية معترف بها دوليا. في حقبة الخمسينات أصدرت حكومة عموم فلسطين جوازات سفر فلسطينية باسمها، ولكن لتلاشي الحكومة بعدها ولعدم وجود اعتراف دولي بدولة فلسطين توقف العمل بها، وأصدرت مصر وثائق سفر مصرية لسكان القطاع عوضا عن تلك الجوازات.


بعد حرب 1967، أصبحت المنطقتان تحت الاحتلال الإسرائيلي، وعلى الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي والأمم المتحدة بشرعية السيادة الإسرائيلية عليه، إلا أن الاحتلال يتحكم في حركة البضائع والسكان على الحدود، وتسري قوانينه على المستوطنين في المستوطنات التي أنشأها وعلى القدس الشرقية. وعليه أصبح على الفلسطينيين في الضفة حمل هويات شخصية صادرة من قِبل الاحتلال تثبت استحقاقهم للإقامة الدائمة في الضفة الغربية، هذه الهوية (بطاقة تعريف شخصية) كانت ضرورية للسفر إلى الخارج، وإذا جاوزت فترة غياب حامل الهوية المدة المحددة من قبل الاحتلال، يسقط حق الإقامة عنه ولا يسمح له بالعودة.


بعد توقيع اتفاقيات أوسلو سنة 1994 بين الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية، خضعت أجزاء واسعة من الضفة الغربية -دون القدس الشرقة- وقطاع غزة لحكم ذاتي فلسطيني مع سيطرة الاحتلال على مساحات واسعة من الضفة. وبعد انسحاب الاحتلال الأحادي الجانب من قطاع غزة عام 2005، ومع قرار فك الارتباط الصادر من المملكة الأردنية الهاشمية منذ سنة 1988 والذي أدى إلى انسحاب الإدارة الأردنية من الضفة الغربية، أصبحت الضفة الغربية وقطاع غزة أراضي فلسطينية وأهلها مواطنون فلسطينيون دون غيرهم من الفلسطينيين في العالم. وعليه أصبحت جوازات السفر الأردنية مجرد وثائق سفر ليس أكثر ولا تضمن حقوق المواطنة الأردنية ولا جنسيتها لحامليها.


تعتبر جوازات السفر إحدى علامات الاعتراف الدولي بوجود الدولة واقعيا، ولذلك، كان من نتائج اتفاقيات أوسلو أن شرعت السلطة الوطنية الفلسطينية باستخراج جوازات سفر للمواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. يحق لمن يحمل شهادة ميلاد فلسطينية أو بطاقة شخصية فلسطينية أن يستخرج جواز سفر فلسطيني. أما المقيمون خارج فلسطين يجب عليهم تقديم توكيل صادر عن جهة رسمية كسفارة أو محكمة مختصة أو كاتب عدل يثبت نسبهم الفلسطيني. وبالطبع، إصدار هذه الجوازات يقع تحت رحمة الاحتلال بناء على الصلاحيات الممنوحة له في اتفاقيات أوسلو.


يوجد 3 أنواع من الجوازات: جواز السفر الدبلوماسي للقيادات العليا المختلفة ولونه أحمر، جواز السفر العادي ذو الغلاف الأسود وصلاحيته خمس سنوات ويعطى لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة ويواجه سكان القدس الشرقية تعقيدات في استخراجه كونهم يحملون جوازات سفر أردنية وهويات إسرائيلية -كما سأذكر لاحقا-، والثالث هو جواز السفر الخاص باللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات وهو لا يختلف عن الجواز العادي وتصدره السفارات الفلسطينية في هذه الدول.


القدس الشرقية:


سرى على القدس الشرقية كل ما سرى على الضفة الغربية -كما ذكرنا سابقا- حتى حرب 1967. بعدها سيطر الاحتلال على القدس الشرقية وضمها للغربية، وأصبح اليهود يدخلونها بكل حرية، وقام الاحتلال بهدم حارة المغاربة ليصبح حائط البراق مواجها لساحة فارغة يتعبد فيها اليهود، وأطلقوا عليه اسم حائط المبكى. ظل المسجد الأقصى وقبة الصخرة خاضعين للأوقاف الإسلامية بإدارة هاشمية. وبالطبع لم تتوقف محاولات تهويد المنطقة منذ ذلك الحين بكافة الوسائل والتي هي بالطبع غير شرعية.


وعلى الرغم من حقيقة أن ضم أرض إلى دولة يقتضي بطبيعة الحال تجنس أهل هذه الأرض بجنسية هذه الدولة، إلا أن الاحتلال لم يفعل ذلك، ولم يحصل سكان القدس العرب على الجنسية الإسرائيلية. في المقابل تم منحهم بطاقات الهوية الزرقاء التي تضمن لهم حق الإقامة الدائمة في القدس -بالنسبة للاحتلال هو حق الأجنبي في الإقامة في دولة إسرائيل-. بقي سكان القدس الشرقية حاصلين على الجنسية الأردنية حتى قرار فك الارتباط سنة 1988، فأصبحوا بدون جنسية أردنية، مع الاحتفاظ بجوازات السفر الأردنية كوثيقة سفر ليس إلا، ولأن القدس الشرقية قد ضمت للغربية فسكانها لا يحملون الجنسية الفلسطينية كما هو الحال في باقي الضفة الغربية بعد اتفاقيات أسلو 1994. لذا فإن أهل القدس يحملون جوازات سفر أردنية وهويات زرقاء إسرائيلية دون التمتع بأي جنسية من الثلاث، فلسطينية أو أردنية أو إسرائيلية. تفرض هذه الهويات الصادرة عن الاحتلال لأهل القدس بعض الحقوق والواجبات وتحرمهم من بعضها كذلك؛ فتمكنهم هذه الهوية من حق الانتخاب والترشح للمجالس المحلية في القدس ولا تمكنهم من الترشح للبرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، لهم حقوق التأمين الوطني التي تدفعها حكومة الاحتلال لمواطنيها ويلتزمون بدفع الضرائب كالمواطنين الإسرائيليين. كما تجيز هذه الوثائق لهم الحصول على وثائق سفر إسرائيلية صالحة لمدة سنة واحدة فقط.


عرب 48 – فلسطينيو الداخل:


كما ذكرنا، هم من بقوا في الأراضي المحتلة بعد حرب 1948، ويطلق عليهم الاحتلال لقب "عرب إسرائيل" بهدف دمجهم مع المستوطنين المحتلين وعزلهم عن فلسطينيي قطاع غزة والضفة الغربية وهم بذلك حاملين للجنسية الإسرائيلية. يمثلون 20% من سكان الأراضي المحتلة البالغ عددهم تسعة ملايين أو يزيد ويعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية لدى حكومة الاحتلال وخاصة في مجال التوظيف. يقول جان مارك ليلينغ، محام فرنسي إسرائيلي يعيش في تل أبيب، متخصص في شؤون المجتمع المدني الإسرائيلي وناشط في مجال السلام:

"يجب أن أعترف أن هناك بعض التمييز المؤسساتي، المرتبط بغياب تعريف واضح للدولة اليهودية فالتساؤل حول الهوية في البلاد مستمر، لكن تحت ستار كونها دولة يهودية وديمقراطية يتم إعطاء الأفضلية للسكان اليهود الذين يمثلون الأغلبية، ومن ثَمَّ هناك نوع من التمييز ضد عرب إسرائيل"


يحق لعرب 48 التصويت في الانتخابات ويشغل اثنا عشر نائبا منهم مقاعدا في الكنيست من أصل 120 نائبا، ولكن لا يسمح لأي حزب عربي المشاركة في الائتلافات الحكومية. لا يحصلون على نفس نوعية الخدمات لاستيلاء الاحتلال على جميع أراضي البلديات العربية لصالح المستوطنين اليهود. وفقا لتقارير هيومن رايتس ووتش للعام الحالي؛ فإن الاحتلال يمارس الفصل العنصري داخل وخارج أراضي ال 48 على حد سواء.


فلسطينيو الشتات:


فلسطينيو الشتات هم المهجرين خارج حدود فلسطين التاريخية، وتعتبرهم الاتفاقيات الدولية عديمي الجنسية؛ يرجع ذلك لاختلاف سياسات الدول المضيفة بما يتعلق باللاجئين وموقفها من القضية الفلسطينية بشكل عام، وتوفر الوثائق التي تثبت نسبهم الفلسطيني والتي تمكنهم من الحصول على هويات وجوازات سفر فلسطينية. فهم لا يحملون جنسية في مصر والعراق ولبنان، غير أن بعضهم قد اكتسب جنسيات الدول التي لجأوا إليها. تمنع لبنان المواطنة أو الإقامة القانونية عن المهجرين اللاجئين، حيث ترى أن استيعابهم سيؤدي إلى خلل في التوازن الطائفي في البلاد. بينما يختلف وضع اللاجئين في الأردن باختلاف الهوية المحمولة. يستقبل الأردن اللاجئين من داخل الخط الأخضر (الأراضي المحتلة)، والنازحين من الضفة الغربية وأغلبهم يحمل الجنسية الأردنية وجواز السفر الأردني (5 سنوات) ويتمتعون بكافة الحقوق وعليهم كافة واجبات المواطنة، أما اللاجئون من قطاع غزة يحملون جوازات سفر مؤقتة دون الجنسية الأردنية ولا يحصلون على كافة حقوق المواطنة. الفلسطينيون الذين انتقلوا من الضفة الغربية إلى الأردن يُصدر لهم بطاقات هوية صفراء؛ لتمييزهم عن لاجئي الأونروا في المخيمات الرسمية التابعة لها، وهم الأكثر عرضة لسحب الجنسية الأردنية بعد قرار فك الارتباط.



نستطيع وبكل وضوح استنباط نجاح الاحتلال في تطبيق مبدأ "فرق تسد"، فهو لم يكتفِ بفصل الفلسطينيين جسديا باستخدام الحدود المستحدثة وجدار الفصل العنصري الذي ذُكر في المقال السابق، بل فرق بينهم في الحقوق والواجبات ودمر حياة كل فئة بطريقة مختلفة.


وفي حوار مع الزميلة منال بدوان، من أهل القدس وأحد سكان الضفة، قالت مُعلقة على حرية التنقل بين المناطق الثلاث وفق حدود 48 وبين فلسطين والعالم الخارجي:

"يسهل التنقل بين مدن الضفة الغربية على الرغم من وجود الحواجز دون تصاريح، أما القدس فلا يمكن الدخول إليها دون تصاريح من حكومة الاحتلال، ولا يُقبل التصريح إلا لكبار السن أو لوجود سبب قوي مقنع لحكومة الاحتلال، ويكون التصريح ساريا لمدة أسبوعين فقط، والدخول لأراضي ال 48 يحتاج لتصاريح تماما كالقدس. أما غزة فلا يُسمح الدخول إليها أو الخروج منها إلى الضفة الغربية إلا في ظروف معينة كعلاج المصابين وقت الحروب في مستشفيات الضفة، وغالبا ما يكون هناك أسباب خفية وراء سماح حكومة الاحتلال بذلك."


وأضافت منال: 

"أهل الضفة يحملون هوية خضراء وأهل القدس والداخل المحتل يحملون هوية زرقاء، وكل هوية تمكن حاملها من صلاحيات مختلفة، وبالطبع حاملو الهوية الإسرائيلية الزرقاء يتمتعون بصلاحيات أفضل، ومؤخرا أضافت حكومة الاحتلال شرائح تعقب في الهويات الصادرة عنها لعرب الداخل وسكان القدس. يحمل أهل الضفة وغزة جوازات السلطة الفلسطينية، بينما عرب الداخل والقدس لديهم القدرة على استخراج جوازات سفر إسرائيلية تمكنهم من السفر من مطار بنغريون، بينما أهل الضفة يسافرون عن طريق الأردن وأهل غزة يسافرون عن طريق معبر رفح ومصر."



حق العودة


حق العودة باختصار هو حق عودة المواطن إلى بلاده إذا خرج منها وهو حق غير قابل للتصرف من حقوق الانسان، لا يسقط بالتقادم، وهو نابع من حرمة الملكية الخاصة التي لا تزول بالاحتلال او بتغيير سيادة البلاد.


في الحادي عشر من ديسمبر 1948 صدر القرار رقم 194 من الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يقضي بحق الفلسطينيين في العودة والتعويض، وأصدر المجتمع الدولي عدة تأكيدات على هذا القرار ولم تعارضه سوى سلطات الاحتلال والولايات المتحدة الامريكية بعد اتفاقيات أوسلو.


يرفض الاحتلال تعويض المهجرين من الفلسطينيين، بحجة أن اليهود أيضا قد هُجروا فيما سبق من بلدان مختلفة دون أية تعويضات تُذكر، والحقيقة أن العودة ستسبب مشاكل ديموغرافية للاحتلال؛ حينها سيشكل العرب معظم سكان فلسطين مما يهدد الطابع والمطامح الصهيونية للمنطقة. لأن الاحتلال قد دمر القرى والمدن الفلسطينية وأقام مكانها مستوطنات غير شرعية، تعتبر العودة هدما للاعتبارات الدينية اليهودية والأفكار الصهيونية التي بدأت هذا الاحتلال في المقام الأول، والتي تسعى أصلا إلى تهجير العرب لا عودتهم. ويرى الاحتلال الصهيوني أن الحل الأمثل لمشكلة اللاجئين يتمثل في توطينهم في الدول المضيفة لهم. ولكن التصور الفلسطيني للعودة يرى العودة عودةَ كاملةً إلى فلسطين التاريخية كاملةً دون التهاون في أي شبر من أراضيهم. 


5. المقاومة الفلسطينية


تتمثل المقاومة الفلسطينية في كل التحركات، كبيرها وصغيرها، التي قادها الشعب الفلسطيني لمقاومة الكيان الصهيوني.


بدأت حركات المقاومة منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين واستمرت حتى يومنا الحالي، وهنا نمر على لقطات سريعة لنشأة وتطور المقاومة الفلسطينية.


نشأت الحركة الوطنية الفلسطينية بعد الحرب العالمية الأولى مع وقوع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1919، وتبلورت أهدافها حول إلغاء وعد بلفور وإيقاف الهجرة اليهودية ووقف بيع الأراضي لليهود، مع إقامة حكومة وطنية فلسطينية منتخبة والدخول في مفاوضات مع بريطانيا تنتهي باستقلال فلسطين في نهاية المطاف. كان في قيادة الحركة الوطنية موسى كاظم الحسيني وخلفه بعد مماته الحاج أمين الحسيني الذي أصبح مفتي القدس سنة 1921، وبتوليه زعامة الحركة الوطنية الفلسطينية أصبح زعيم فلسطين دون منازع حتى عام 1948.

فلسطين قضيتي (المقاومة الفلسطينية)65790165842142540



وبحلول عام 1929 تمكنت بريطانيا من إحباط كل محاولات الحركة الوطنية الفلسطينية لتشكيل حكومة تمثل إرادة الشعب الحرة، وعلى الرغم من ميل قيادة الحركة للمقاومة السلمية للكيان الصهيوني، فقد قامت ثلاث ثورات وُجهت ضد اليهود وتعرضت للقمع من قِبل البريطانيين، وهم: ثورة موسى النبي، وثورة يافا، وثورة البراق.


تميزت بداية الثلاثينات بزيادة الحراك السياسي والتفاعل الوطني وتشكلت في هذه الفترة الأحزاب الفلسطينية، كحزب الاستقلال والحزب العربي الفلسطيني، ونشطت جمعيات الشبان المسلمين والكشافة، كما تشكلت تنظيمات عسكرية جهادية سرية، مثل حركة "الجهادية" بقيادة عز الدين القسام، و"منظمة الجهاد المقدس" بقيادة علنية لعبد القادر الحسيني وسرية للحاج أمين الحسيني. علّق الحاج أمين الحسيني -رحمه الله- على تلك الفترة قائلًا:

"كنا ما نزال حتى سنة 1932 على شيء من الأمل، ولكنه زال مع الزمن، كل عذابنا، كل آلامنا كانت تُعدُّ بعناية، لم يكن أمامنا غير الشهادة"


اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 واستمرت حتى 1939، وتعتبر أكبر ثورة في تاريخ فلسطين الحديث. كانت البداية بقتل اثنين من اليهود ثم تفاقمت الأحداث تباعًا، وأعلن الفلسطينيون عن إضرابهم حتى تتحقق مطالبهم، وتوحدت الأحزاب العربية تحت اللجنة العربية العليا برئاسة الحاج أمين الحسيني. استمر هذا الاضراب 178 يومًا، ويعد أطول إضراب في التاريخ يقوم به شعب بأكمله، ورافقه ثورة قوية في كافة أنحاء فلسطين.

وصلت الثورة ذروتها عام 1938 واستطاعت استعادة السيطرة على العديد من القرى والمدن من جعبة الانتداب البريطاني، ولكن توافر الدعم الصهيوني عكس الصورة مرة أخرى؛ لتنتهي الثورة مخلِّفةً وراءها آلاف الشهداء والجرحى.


برز العمل الوطني الفلسطيني بعد حرب 1948 في عدة صور، كان منها التركيز على التعليم وطرق الاعتماد على النفس تكيفًا مع الوضع الجديد، والانضمام إلى التنظيمات والأحزاب على مختلف انتماءاتها، والهجرة بعد التهجير سعيًا وراء الرزق، وبدأت الهوية الوطنية الفلسطينية تتشكل نتيجة لوجود حكومة عموم فلسطين ومن بعدها نشأة منظمة التحرير الفلسطينية.


أنشأت جامعة الدول العربية حكومة عموم فلسطين في سبتمبر 1948 لتقوم بتغطية كامل فلسطين التاريخية/الانتدابية وفقًا للولاية القضائية للحكومة، والتي اعترف بها كافة أعضاء الجامعة ما عدا شرق الأردن. ومع سقوط معظم أراضي فلسطين في أيدي الاحتلال نتيجة للحرب، وضم الضفة الغربية للولاية الأردنية الهاشمية، لم يكن للحكومة ولاية فعلية سوى على قطاع غزة، ولم تدم طويلًا؛ حيث وضعت الحكومة المصرية يدها على القطاع (وقد كانت مصر حينها تحت النفوذ البريطاني) وقامت بإدارته، ومُنع الحاج أمين الحسيني، رئيس الحكومة، من العيش أو العمل السياسي في قطاع غزة أو الضفة الغربية، وعليه ظلت حكومة عموم فلسطين قائمة في مصر ولا دور لها سوى تمثيل فلسطين لدى جامعة الدول العربية دون أي دور أو تأثير حقيقي ملموس.


اتخذت المقاومة أشكالًا محدودة التأثير حتى منتصف الخمسينات، تمثلت في اختراق الحدود وتوجيه ضربات انتقامية للكيان الصهيوني المحتل. وفي قطاع غزة أنشأ الإخوان المسلمون تنظيمات سرية عسكرية، تعاونت مع بدو النقب لتنفيذ بعض العمليات لكسر شوكة الاحتلال، بيد أن الكيان الصهيوني كان يرد على هذه العمليات، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، بعنف متزايد وغطرسة شديدة أدت إلى وقوع مذابح عديدة، منها مذبحة قبية ومذبحة غزة؛ وهو ما فجّر انتفاضة أهل غزة وأشعل عزائمهم للقتال، ومنذ وافقت القيادة المصرية على العمل الفدائي الفلسطيني؛ تدفق الآلاف للتطوع فداءً لتحرير فلسطين، ونفذوا العديد من العمليات، الواسعة والمحدودة، التي أسفرت عن مقتل 1176 إسرائيليًا حتى وقوع العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956.


نشأت حركة فتح نتيجةً لحالة التضييق والمطاردة التي فُرضت على التيار الإسلامي، حيث هَدَفَ تيار من جماعة الإخوان المسلمين وشباب من قطاع غزة إلى القيام بعمل منظم مسلح لا يتخذ شكلًا إسلاميًا، ويتبنى أُطرًا وطنيةً بحتةً تمكنه من تجنيد قطاعات أوسع من الشباب ولا تجعله عرضةً للملاحقة. قامت حركة فتح برئاسة ياسر عرفات، وشكلت جناحها المسلح "العاصفة" وقامت بأولى عملياتها العسكرية في أوائل سنة 1956؛ ليكون إجمالي عملياتها حتى حرب الأيام الستة (حرب 1967) مئتا عملية.


كما تأسست حركة القوميين العرب في منتصف الخمسينات على يد مجموعة من الدارسين في الجامعة الأمريكية ببيروت، وتبنت مفاهيم الوحدة القومية ورفعت شعار تحرير فلسطين وأيدت السياسات الناصرية. شكلت الحركة لجنة فلسطين ومن ثم الجبهة القومية لتحرير فلسطين التي كان جناحها العسكري "شباب الثأر"، لتنشئ أخيرًا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بالتحالف مع قوى أخرى، وتم حل الحركة في أوائل سبعينيات القرن الماضي.


ونتيجة للخلافات السائدة بين الأنظمة العربية آنذاك، ومع شعورها بما يحدث على الساحة الفلسطينية من تنظيمات وتحركات سريعة، اتخذ مجلس جامعة الدول العربية بدعم من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قرارًا بإعادة تنظيم الشعب الفلسطيني. وبعد وفاة أحمد حلمي عبد الباقي، ممثل حكومة عموم فلسطين، سنة 1963 شرعت الجامعة بتنفيذ هذا القرار وأُعلن ميلاد منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف.) في مايو 1964 خلال انعقاد المجلس الفلسطيني الأول في القدس برئاسة أحمد الشقيري. وصودق حينها على الميثاق القومي الفلسطيني الذي أكد على الكفاح المسلح لتحرير كل فلسطين وقررت م.ت.ف. تشكيل جيش التحرير الفلسطيني.


توالت العمليات الفدائية الخارجية من لبنان والأردن وانخرطت مع عمليات منظمة التحرير الفلسطينية؛ مما جعل المقاومة الفلسطينية عاملة من داخل وخارج فلسطين. وعقب الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان سنة 1982، والتي قاتلت فيها المقاومة الفلسطينية، نجح الاحتلال الصهيوني في هدم معظم البنية التحتية للعمل الفدائي الفلسطيني، وعليه أصبحت م.ت.ف. بعيدةً عن فلسطين ومحرومةً من العمل العسكري في الدول المطوقة لها. كما تغير الخطاب السياسي الصادر عن م.ت.ف. بشكل ملحوظ، حيث انطلق مؤمنًا بأن الكفاح المسلح هو الحل الوحيد، ثم أخذ يركن إلى تبني مفاهيم السلام مع المحتل الغاصب، حتى وافق عام 1982 على مشروع فاس/ التسوية العربي، الذي اعترفوا فيه ضمنيًا بالكيان الصهيوني وما اغتصبه من أراضٍ عام 1948. تراجع أداء وتأثير منظمة التحرير الفلسطينية منذ ذلك الحين حتى في الوسط العربي نفسه  ، وفي المجلس الوطني الفلسطيني التاسع عشر لسنة 1988 وضعت م.ت.ف. برنامجًا فلسطينيًا يعترف بقرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947 الذي يقضي بتقسيم فلسطين لدولتين: عربية ويهودية.


وبعد فشل الأفكار العلمانية واليسارية والقومية في حل القضية، بدأ التيار الإسلامي يستعيد حيويته بين الفلسطينيين، بعد أن كان يعمل في الخفاء.


في البداية، عمل الإخوان المسلمون بالتنسيق مع حركة فتح وتحت غطائها مع الاحتفاظ بإدارة داخلية مستقلة فيما عرف بمعسكرات الشيوخ، وظهر الجهاز العسكري للإخوان المسلمين عندما أرسلت القيادة المركزية بعض كوادرها للتدريب العسكري في الخارج سنة 1980، وقام الشيخ أحمد ياسين -رحمه الله- بتأسيس الجهاز العسكري في القطاع وإدارته. كذلك تشكلت حركة الجهاد الإسلامي سنة 1980 ونشطت في العديد من العمليات ضد الاحتلال الصهيوني، وكان أعضاؤها المؤسسون أعضاءً سابقين لدى الإخوان المسلمين. وبمرور السنين أصبح التيار الإسلامي -خاصة الإخوان المسلمون- المنافس الأكبر للتيار العلماني الذي تمثله حركة فتح والمسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية.


نشأت حركة حماس رسميًا مع انطلاقة الانتفاضة المباركة الأولى سنة 1987، واعتُبرت أبرز الأطراف المشاركة في الانتفاضة التي استمرت ست سنوات، وما منعها من الاستمرار إلا توقيع اتفاقية أوسلو سنة 1993. عرّفت حماس نفسها بأنها امتداد للإخوان المسلمين متخذةً من الإسلام منهاجًا لها، هادفةً إلى تحرير فلسطين كاملة من الاحتلال الصهيوني، وكانت ترى أن تحرير فلسطين معركة ستتداولها أجيال متتالية. وبالإضافة إلى حضورها القوي وعملياتها العسكرية الناجحة، رسخت حماس لنفسها شعبيةً كبيرةً بين أطياف الشعب الفلسطيني المختلفة.

قال الدكتور هشام شرابي المعروف بأفكاره المناصرة للعلمانية:

"إن حماس هي الشكل الجديد للمقاومة، نجحت حتى الآن فيما عجزت عنه م.ت.ف. وفصائلها خلال أكثر من ربع قرن في استنباط أشكال جديدة لتنظيم الشعب الفلسطيني وتمكينه من الصراع العسكري الفعال باستقلال عن كل عون خارجي."


ويعترف خبراء الكيان الصهيوني نفسهم ببراعة حماس في إدارة المقاومة، وأن لها أساليب عمل متطورة ومستوى عالي من السرية في تنفيذ عمليات بارزة وقاسية. كان الجهاز العسكري لحركة حماس تحت اسم "المجاهدون الفلسطينيون" وبه ابتدؤوا مقاومتهم خلال الانتفاضة، حتى ضرب الكيان الصهيوني هذا الجناح سنة 1989 ليقوم محله "كتائب الشهيد عز الدين القسام" المعروفة في وقتنا الحالي.


كانت انتفاضة الأقصى (2000 – 2005) أفضل مثال على بسالة المقاومة الفلسطينية وعلى تعاضد الأمة العربية والإسلامية تجاه قضية فلسطين. وكانت الشرارة التي أشعلت هذه الانتفاضة هي زيارة أريل شارون -زعيم حزب الليكود- الاستفزازية إلى حرم المسجد الأقصى، حيث كانت هذه الزيارة بمثابة تأكيد للمطامع الصهيونية في المسجد الأقصى، فاستنفر أهل القدس وقرروا الدفاع عن الأقصى، وسقط في المواجهات الأولى وحدها خمسة شهداء وأكثر من مئة جريح. خرجت المظاهرات في جميع أنحاء العالم الإسلامي داعمة لأهل فلسطين، واشتدت روح العداء للكيان الصهيوني وأمريكا، وقامت حملات مقاطعة ضد الأخيرة. كما كان للإعلام العربي كذلك دور كبير في فضح جرائم الاحتلال من استخدام لأسلحة محرمة دوليًا وغيرها، إلى أن بدأ صخب الانتفاضة يهدأ في 2005؛ لظروف وفاة ياسر عرفات وانتخاب محمود عباس خلفًا له. سقط العديد من الشهداء في صفوف القياديين من حركة حماس، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين سنة 2004. وحسب التقديرات الإسرائيلية، فإن المقاومة الفلسطينية قد نفذت 22406 عملية في الفترة من 2000 وحتى 2005. أدت هذه الانتفاضة إلى تحطيم الاقتصاد الإسرائيلي وزلزلت الأمن الداخلي الإسرائيلي، كما أدت أيضًا إلى رجوع العديد من الصهاينة إلى البلاد التي جاؤوا منها.


ونتيجةً لضرب وتفكيك المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية -المتمثلة في حركة فتح- بسبب التعاون الممنهج والشامل بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية في رام الله، وتقدم وتطور المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة -المتمثلة في حركة حماس-، ركّز الكيان الصهيوني جهوده في تدمير القطاع أشد تدمير. إلا أنه بعد أعوام من القتل والاعتقال والترهيب لم يتمكن الاحتلال من السيطرة على قطاع غزة ولا إسقاط حكومة حماس التي تدير القطاع؛ فاضطر للانسحاب غير المشروط من القطاع بعد أن أسقطوا آلاف الجرحى والشهداء.


يقول الدكتور محسن محمد صالح، كاتب وباحث فلسطيني، في كتابه القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة:

"وبالرغم من انتهاء انتفاضة الأقصى، والأوضاع الاستثنائية التي تشهدها الضفة الغربية، وحصار غزة، فإن المقاومات البطولية التي شهدتها تلك الفترة، وتطويرها لإمكانياتها التسليحية وخصوصا في مجال الصواريخ، يؤكد أن روح الجهاد ما تزال قوية في هذه الأمة، وأن قوى المقاومة، وخصوصًا الإسلامية، قادرة على تقديم إنسان جديد يتسم بصموده وجرأته وتضحيته، وقدرته على الإبداع، وإنزال الخسائر في العدو."


وشهادتنا على هبة المقدسيين في الانتفاضة الأخيرة بعد أحداث باب العامود ومن بعدها حرب غزة خير دليل على تطور المقاومة وبسالتها، وخير برهان على قدرة هذه الأمة على التعاضد والتكاتف رغم بثهم الفرقة بيننا.


6. التطبيع


ما هو التطبيع؟ وماذا يعني التطبيع مع الكيان الصهيوني؟ وما هي أبعاده؟ وأين وصل بنا الحال؟


التطبيع لُغةً يعني جعل ما هو غير طبيعي أو مألوف طبيعيَا من خلال تكييفه مع الظروف المحيطة به. وهنا بالتطبيع مع الكيان الصهيوني المتمثل في الدولة المزعومة "إسرائيل"، فإن التطبيع يعني التسليم بوجودها والتصديق به، ومعاملتها على هذا الأساس كإحدى الدول الرسمية على الكوكب. وبالطبع، كل ساعٍ إلى التطبيع يعلم أن هذا الكيان غير شرعي على كافة الأصعدة ولا من المفترض له أن يُعتبر شرعيًا؛ فلو كان شرعيا أو يُعتبر كذلك لما سعى المُطبع إلى التطبيع في المقام الأول.


ولتطبيع الدول العربية والإسلامية مع الكيان الصهيوني دوافع عدة، واهية وسطحية، تهدف إلى سلام مزعوم في منطقة الشرق الأوسط، ولكن، كيف يكون السلام مع من شيد سلطانه على الدماء؟!

 تأتي مسوغات التطبيع في ظل حالة الضعف العربي، والصراع العربي الإيراني، والخلاف العربي العربي (أزمات الربيع العربي) التي جعلت بعض قادة العرب في حاجة مستميتة إلى الدعم الغربي، بالإضافة إلى الخلاف داخل فلسطين بين حماس التي تتبنى خيار المقاومة وفتح التي تتبنى خيار المساومة والتسوية. كل هذا خلق نوعا من الهرولة نحو الكيان الصهيوني الذي أظهر نفسه بصورة راعي السلام في المنطقة بدعم أمريكي علني، موضحا رغبته في وجود مصالح مشتركة بينه وبين الدول العربية تجعلهم مؤهلين لمواجهة الصراعات الداخلية والخارجية وأهمها الخطر الإيراني.


وللتطبيع عدة صور، علنية وسرية، ويجري على عدة مستويات، اقتصادية وتجارية وأمنية وعسكرية وثقافية ورياضية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تستورد الأردن ومصر الغاز الطبيعي المسال من إسرائيل، وعمدت مصر إلى تأسيس "منتدى غاز الشرق المتوسط" الذي يضم سبع دول من بينها إسرائيل، ويهدف إلى إنشاء سوق إقليمية للغاز لتوفيره للدول الأعضاء. وعلى المستوى الاستخباراتي والأمني، تعتبر إسرائيل الممول الأساسي بالنسبة للعديد من الدول للخدمات الأمنية والتقنيات الاستخباراتية، بالإضافة إلى مشاركة دول عربية كالسعودية والإمارات جنبا إلى جنب مع قوات الاحتلال في تدريبات عسكرية. ومن مظاهر التطبيع العلنية مشاركة قادة عرب مسئولين إسرائيليين في لقاءات ومحافل دولية، كان أحدها في استضافة العاصمة البحرينية، المنامة، سنة 2019، ورشة العمل التي كانت تحت عنوان "السلام من أجل الازدهار، الخطة الاقتصادية: رؤية جديدة للشعب الفلسطيني"، والتي كانت مُقدمة من البيت الأبيض فيما أصبح يعرف الآن إعلاميا بصفقة القرن، وفي سنة 2020 حضر سفير البحرين والامارات وعمان المؤتمر الذي عقده الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لإعلان الشق السياسي من صفقة القرن.


في المقابل، تتمسك السلطة الفلسطينية في حقها بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل 1967 عاصمتها القدس الشرقية، بينما ترى حماس أن كل صور التنازل والتهاون خيانةٌ للأمة الإسلامية وقيمها وأخلاقها وغدر بتضحيات الشعب الفلسطيني. اعترفت -حتما الآن- رسميا ست دول عربية بوجود إسرائيل وطبعت وجودها وهم: مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، والأردن وتونس كان لهما علاقات دبلوماسية مع الاحتلال قبل اندلاع الانتفاضة الثانية/ انتفاضة الأقصى، وقطر وعمان كان لهما علاقات اقتصادية معه كذلك.


من جانب آخر، فإن الدولة المزعومة تُظهر رغبتها في تطبيق حل الدولتين، دولة فلسطينية وأخرى يهودية، وعمليا تسعى لهدم أي محاولات تهدف للتسوية خارج شروطهم الأربعة: لا عودة للاجئين، لا لتفكيك الاستيطان، لا للقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، ولا وجود لسيادة فلسطينية مستقلة. وتطبيق قانون الدولة اليهودية الذي أقره الكنيست سنة 2018 يجعل عرب الداخل عرضة للاضطهاد والتشرد. كل هذا يشير إلى رغبة الكيان الصهيوني في فرض نفسه كأمرِ واقع، وأن يكون التطبيع وفقا لشروطه دون أي اعتبار لحقوق الفلسطينيين والدولة الفلسطينية.


وعلى الرغم من توجه قيادات بعض البلدان العربية والإسلامية نحو التطبيع بأي شكل من أشكاله، يظل الموقف الشعبي واضحا وصريحا برفض التطبيع، واعتبار القضية الفلسطينية القضية الأولى للوطن العربي والإسلامي، وآخر صورة من صور الاستعمار في العصر الحديث، وأي قيادة تُصرح باعترافها بشرعية الكيان المحتل تكون بذلك تقامر على ولاء شعوبها والاستقرار الداخلي لبلادها. 




المصادر لقراءة أعمق:

فلسطين وأكذوبة بيع الأرض- عيسى القدومي

حقائق عن القضية الفلسطينية- محمد أمين الحسيني 

القضية الفلسطينية خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة - محسن محمد صالح

حقائق عن قضية فلسطين- محمد أمين الحسيني

فلسطين وأكذوبة بيع الأرض- عيسى القدومي 


 

تعليقات

اقرأ أيضًا

قدَر

The myth of normal – trauma, illness, and healing in a toxic culture (Book review)

الحب ليس كافيًا