زملائي الأعزاء، الحضور الكريم،
إنه من دواعي سروري أن أقف أمامكم ومعكم في هذا اليوم الذي انتظرناه لسنين
طويلة، لنحتفل معًا بختام أولى خطوات رحلةٍ اخترناها واختارها الله لنا، فتحيةً
عظيمة لكل واحدٍ منكم بذل من وقته وجهده وصحته ما بذل، وعانى معاناةً نعلم مقدارها
كلنا ليصل إلى هذا اليوم، تحيةً تستحقونها بجدارة.
السادة الحضور أعضاء هيئة التدريس وإدارة الكلية، لا نبالغ عندما نقول أننا
تعلمنا منكم ومعكم الكثير، وأذقتمونا من عذب الطب ومن علقمه، وبالنتيجة أخذنا عنكم
من علم الطب وعلم الحياة. فلا يسعني سوى أن أتقدم بالنيابة عن دفعتي بخالص الشكر
والتقدير والعرفان لكل فردٍ من حضراتكم، ونرجو من الله أن نكون عند حسن ظنكم، وأن
نكون خير أبناءٍ لكم، وأن نصبح مدعاةً للفخر لكم ولكليتنا.
زملائي الأعزاء، بل أخوتي الأحباء... مررنا معًا بالكثير، لم تكن خمس سنوات
يسيرة، بل أعلم كما تعلمون أن مرارتها غلبت حلاوتها.
منذ اليوم الأول الذي جمعنا هنا بطموح كبير وبفرحة اقترابنا من لقب
"دكتور" الذي لم نكن ندرك كم سيكون ثمنه غاليًا، ونحن نتخطى عقبة تلو
عقبة معًا. نحن أول دفعة في نظام 5 +2 في كلية تخطو أولى خطواتها في التعليم
الطبي، نحن كما أطلقوا علينا وأطلقنا على أنفسنا "محطوطين في وش المدفع"
بحق (أو وش مدفعين لتحري الدقة)، ولنكون صادقين تماما، لم نفلح في تفادي قنابل
المدفع، استقبلنا بعضها بصدر واسع وروح ليست رياضية بالمرة.
بعد ليالي الأكاديمي المريرة في ال CNS وال
CRS وتروما ليالي الكلينيكال في السبيشال وال
GIT والباطنة والجراحة وكمية النسا المهولة وتقل دم الأطفال،
والتوتر الذي عهدناه قبل كل لجنة ،OSCE ذلك الذي
عاهدنا أنفسنا ألف مرة ألا ندعه يؤثر علينا في كل لجنةٍ تلي لجنةً أنسانا التوتر فيها اسمنا وأذهب عنا كل
المعلومات التي أتقنا حفظها ليلةَ الاختبار، بعد كل هذه العقبات والتحديات التي
غيرتنا وشكلتنا من جديد، نقف هنا الآن لا تكاد تسعنا الفرحة.
ليست فقط الدراسة ما مررنا به في هذه السنين الخمس. قُدّر لنا أن نكون
رفقاء طريق، أثرّنا في بعضنا وتأثرنا ببعضنا، تعلمنا كيف يكون الإنسانُ للإنسانِ
بيتًا وملاذًا آمنًا عندما تشتد عليه قسوة الأيام ولا يجد من يفهم همّهُ. كَونّا
صداقات أصبحت بمثابة عائلة، وما أكثرَ الأوقاتِ التي لم يكن لنا سواها مُتكأ، ندعو
الله أكثر ما ندعو أن يبارك فيها ويحفظها لنا.
غير أن كل شخص فينا له تفاصيلٌ فريدةٌ لحكايته لونت الخمس سنين السابقة
ألوانًا مختلفة، ففي النهاية هي رحلةٌ أوسع من أن نختصر تفاصيلها في بضع دقائق،
ولكن مهما اختلفت قصصنا فهي تتشابه في أنها قصص مثابرة وإصرار وتحدي لأنفسنا قبل
أي أحد آخر.
اليوم نودع سنين الدراسة الرتيبة ونستقبل سنين الممارسة – والدراسة برضو.
اليوم نقف أمام مستقبلنا بكثير من الترقب، ولكن كذلك بوفرة من الأمل أن ربنا كما
وفقنا فيما قد سبق سيرشدنا في كل ما هو قادم.
أذكركم ونفسي بأننا اختارنا الله ليستأمننا على حياة خليفته على الأرض،
فمهما وعرت طريقنا -وطريقنا وعرة- أرجو أن يكون هذا عزائي وعزاءكم.
ولا يمكننا أن ننسى أبدًا، الحاضرين بيننا بقلوبهم وإن غابوا عن ساحتنا، كل
أب وأم وكل مرشد، لم يتوانَ عن الدعم مهما اختلف شكله، فأقل ما نقوله هو: شكرًا
لكم، يا من بذلتم لنا أموالكم وجهودكم ووقتكم ودعاءكم ونصحكم وإرشادكم، وكان كل
نجاح لنا نجاحًا وفخرًا لكم، وكل عثرة لنا آلمتكم لإيلامها لنا. ندعو ونرجو من
الله أن يحفظكم لنا وأن يجزيكم عنا خير الجزاء؛ فحقكم علينا أكبر من أن نوفيه لكم.
اليوم يا رفاق، لا تسمحوا لأي شيء أن يعكر صفو فرحتكم التي بذلتم في سبيلها
دموعكم وقلوبكم وضحيتم في سبيلها بالغالي والنفيس واستهلكت من أرواحكم وكرستم لها
شبابكم والقادم من حياتكم.
تعليقات
إرسال تعليق