شعور وفكرة وفعل
للبشر طريقة حمقاء في الخلط بين كل شعور يساور النفس وكل فكرة تساور العقل وما ينتج عنهما من أفعال، بل لهم طريقة بلهاء أخرى في الخلط بين الأحاسيس والأفكار والأفعال؛ فيسمون الشعور فعلًا، ويؤاخذونك بأفكارك، وأنت ما اقترفت يداك شيئًا.
للشعور سطوة على القلب ليس لأحد عليها حكم، لا صاحب الشعور ولا مُسَبِبه. فأثر النيران على الورقة يختلف عن أثرها على الشجرة وعن أثرها على الجمر وعن أثرها على الرماد. وأثر النيران على بالغ لم يلمس حرارتها قَبلًا، يختلف عن أثرها على بالغ عُوقِب بلهيبها طفلًا.
وللأفكار عملية تسير فيها حتى تولد بين ثنايا الدماغ، ولكل فكرة مقدمات وينتج عنها توالي، كلها تقبع في ذلك الصندوق المرتكز فوق كاهل الإنسان. وما يميز كل دماغ عن الآخر هي تلك العملية التي تُخلَق بها الأفكار وتتوالد؛ فالعقل الذي يرى اللون الأحمر لون العنف، ليس كالعقل الذي يراه لون الحب.
وللأفعال قاعدة واحدة: أنها تحت سيطرة صاحبها، ما دام صاحبها يملك نفسه، ولا تملكه نفسٌ أخرى أو تلَّبس جسده سقم.
فالقلب يشعر كما يشاء، ولا سلطان عليه، والدماغ يفكر كيفما يشاء، ولا يؤاخذ بأفكاره ما دامت حبيسة رأسه، والأفعال هي التي عليها سلطان ويؤاخذ بها صاحبها ما دام صاحبها في وعيه.
لذلك، أعزائي من بني البشر، ناشدتكم الله كفّوا عنا بعضًا من غبائكم واحفظوه بينكم وبين أنفسكم، لا تخلطوا بين ما يشعر به قلب مرءٍ بعاطفته، بما يدور في رأسه بناءً على تحليله للمعطيات، وما دامت أفعاله لا تضركم ولا يرى أنها تضره، كفّوا عنه ألسنتكم.
قُلتُ: للبشر طريقة حمقاء وأخرى بلهاء... أقول: ربما لبعضهم وليس لجميعهم. أعطيت موجزًا عن المشاعر والأفكار والأفعال، ولو زدت عنصرًا آخرًا -وهو الحدس-، لدارت الأذهان في محاجرها ولاتُهِمتُ بالفلسفة الفارغة، ولكل مقام مقال؛ لذلك سأترك للحدس مقامه وأعِد له مقاله.
تعليقات
إرسال تعليق